سورة ص - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


{وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: يعني كتابنا، والقط الصحيفة التي أحصت كل شيء.
قال الكلبي: لما نزلت في الحاقة: {فأما من أوتي كتابه بيمينه} [الحاقة- 19]، {وأما من أوتي كتابه بشماله} [الحاقة- 25] قالوا استهزاء: عجل لنا كتابنا في الدنيا قبل يوم الحساب. وقال سعيد بن جبير: يعنون حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول.
وقال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والسدي: يعني عقوبتنا ونصيبنا من العذاب.
وقال عطاء: قاله النضر بن الحارث، وهو قوله: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32].
وعن مجاهد قال: {قطنا} حسابنا، ويقال لكتاب الحساب قط.
وقال أبو عبيدة والكسائي: القط: الكتاب بالجوائز.
قال الله تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} أي على ما يقوله الكفار من تكذيبك {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ} قال ابن عباس: أي القوة في العبادة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه».
وقيل: ذو القوة في الملك.
{إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجاع إلى الله عز وجل بالتوبة عن كل ما يكره، قال ابن عباس: مطيع. قال سعيد بن جبير: مسبح بلغة الحبش.


{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ} كما قال: {وسخرنا مع داود الجبال} [الأنبياء- 79] {يُسَبِّحْنَ} بتسبيحه، {بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ} قال الكلبي: غدوة وعشية. والإشراق: هو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوؤها وفسره ابن عباس: بصلاة الضحى.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم، حدثنا الحجاج بن نصير، أخبرنا أبو بكر الهذلي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس في قوله: {بالعشي والإشراق} قال: كنت أمر بهذه الآية لا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ، ثم صلى الضحى، فقال: «يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق».
قوله عز وجل: {وَالطَّيْرَ} أي: وسخرنا له الطير، {مَحْشُورَةً} مجموعة إليه تسبح معه، {كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} مطيع رجاع إلى طاعته بالتسبيح، وقيل: أواب معه أي مسبح.
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} أي: قويناه بالحرس والجنود، قال ابن عباس: كان أشد ملوك الأرض سلطانًا، كان يحرس محرابه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن خالد بن الحسن، حدثنا داود بن سليمان، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا داود بن أبي الفرات، عن علي بن أحمد، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رجلا من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود- عليه السلام- أن هذا غصبني بقرًا، فسأله داود فجحد، فقال للآخر: البينة؟ فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فأوحى الله إلى داود في منامه أن يقتل الذي استعدى عليه، فقال: هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت، فأوحى إليه مرة أخرى فلم يفعل، فأوحى الله إليه الثالثة أن يقتله أو تأتيه العقوبة، فأرسل داود إليه فقال: إن الله أوحى إلي أن أقتلك، فقال: تقتلني بغير بينة؟ قال داود: نعم والله لأنفذن أمر الله فيك، فلما عرف الرجل أنه قاتله، قال: لا تعجل حتى أخبرك، إني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته، فلذلك أخذت، فأمر به داود فقتل، فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك لداود، واشتد به ملكه فذلك قوله عز وجل: {وشددنا ملكه}.
{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} يعني: النبوة والإصابة في الأمور، {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال ابن عباس: بيان الكلام.
وقال ابن مسعود، والحسن، والكلبي، ومقاتل: علم الحكم والتبصر في القضاء.
وقال علي بن أبي طالب: هو أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، لأن كلام الخصوم ينقطع وينفصل به.
ويروى ذلك عن أبيّ بن كعب قال: {فصل الخطاب}: الشهود والأيمان. وهو قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح.
وروي عن الشعبي: أن فصل الخطاب: هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه: أما بعد إذا أراد الشروع في كلام آخر، وأول من قاله داود عليه السلام.


قوله عز وجل: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} هذه الآية من قصة امتحان داود عليه السلام، واختلف العلماء بأخبار الأنبياء عليهم السلام في سببه: فقال قوم: سبب ذلك أنه عليه السلام تمنى يومًا من الأيام منزلة إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وسأل ربه أن يمتحنه كما امتحنهم، ويعطيه من الفضل مثل ما أعطاهم.
فروى السدي، والكلبي، ومقاتل: عن أشياخهم قد دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام يومًا يقضي فيه بين الناس، ويومًا يخلو فيه لعبادة ربه، ويوما لنسائه وأشغاله، وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقال: يا رب أرى الخير كله وقد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي، فأوحى الله إليه: أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها، ابتلي إبراهيم بنمرود وبذبح ابنه، وابتلي إسحاق بالذبح وبذهاب بصره، وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف، فقال: رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم صبرت أيضًا. فأوحى الله إليه إنك مبتلى في شهر كذا وفي يوم كذا فاحترس، فلما كان ذلك اليوم الذي وعده الله دخل داود محرابه وأغلق بابه، وجعل يصلي ويقرأ الزبور، فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن- وقيل: كان جناحاها من الدر والزبرجد- فوقعت بين رجليه فأعجبه حسنها، فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل فينظروا إلى قدرة الله تعالى، فلما قصد أخذها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها، فامتد إليها ليأخذها، فتنحت، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة، فذهب ليأخذها، فطارت من الكوة، فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل، هذا قول الكلبي. وقال السدي: رآها تغتسل على سطح لها فرأى امرأة من أجمل النساء خلقًا، فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها، فزاده ذلك إعجابًا بها فسأل عنها، فقيل هي تيشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا، وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود.
وذكر بعضهم أنه أحب أن يقتل أوريا ويتزوج امرأته، فكان ذنبه هذا القدر.
وذكر بعضهم أنه كتب داود إلى ابن أخته أيوب أن أبعث أوريا إلى موضع كذا، وقدمه قبل التابوت، وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد، فبعثه وقدمه ففتح له، فكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أيضًا أن يبعثه إلى عدو كذا وكذا، فبعثه ففتح له، فكتب إلى داود بذلك فكتب له أيضًا أن يبعثه إلى عدو كذا وكذا أشد منه بأسًا، فبعثه فقتل في المرة الثالثة، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فهي أم سليمان عليهما السلام.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كان ذلك ذنب داود أنه التمس من الرجل أن ينزل له عن امرأته.
قال أهل التفسير: كان ذلك مباحًا لهم غير أن الله تعالى لم يرض له ذلك لأنه كان ذا رغبة في الدنيا، وازديادًا للنساء، وقد أغناه الله عنها بما أعطاه من غيرها.
وروي عن الحسن في سبب امتحان داود عليه السلام: أنه كان قد جزأ الدهر أجزاء، يومًا لنسائه، ويومًا للعبادة، ويومًا للقضاء بين بني إسرائيل، ويومًا لبني إسرائيل، يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه، فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروه فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبًا، فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك.
وقيل: إنهم ذكروا فتنة النساء فأضمر داود في نفسه أنه إن ابتلي اعتصم، فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكب على التوراة فبينما هو يقرأ إذ دخلت عليه حمامة من ذهب كما ذكرنا، قال: وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا إذا سار إليه قتل، ففعل فأصيب فتزوج أمرأته.
قالوا: فلما دخل داود بامرأة أوريا لم يلبث إلا يسيرًا حتى بعث الله إليه ملكين في صورة رجلين في يوم عبادته، فطلبا أن يدخلا عليه، فمنعهما الحرس فتسورا المحراب عليه، فما شعر وهو يصلي إلا وهما بين يديه جالسين، يقال: كانا جبريل وميكائيل، فذلك قوله عز وجل: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} خبر الخصم، {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} صعدوا وعلوا، يقال: تسورت الحائط والسور إذا علوته، وإنما جمع الفعل وهما اثنان لأن الخصم اسم يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، ومعنى الجمع في الاثنين موجود، لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء هذا كما قال الله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم- 4].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8